لكلّ ثقافة وحضارة نماذج بشرية مقدسة وهذه النماذج البشرية قد تكون مؤثّرة على حياة تلك المجتمع ونمط حياته. لم تتحدّد هذه النماذج البشرية بالثقافة الشرقية بل تتعدى إلى الثقافة الغربية إلّا أنّ الشرقيين يحتفلون بهذه النماذج البشرية أكثر وأكثر وذلك بسبب كثرة الأديان والحضارات المختلفة التي تعاقبت على مشرق الأرض. بسبب أن إيران لعبت دوراً مهمّاً في التاريخ البشري وكذلك تاريخ الإسلام تبركت تربة هذه الأرض بضمها عدد لايستهان به من أولياء الله من أنبياء وعلماء وأئمة أطهار وصحابة عليهم آلاف التحية والثناء.
سیدلّك هذا المقال على أهم وجهات الزيارة في إيران ويقدم لك أهم المعلومات التاريخية حول تلك الوجهات.
1. مرقد الإمام الرّضا (علیه السّلام)

الإمام علي ابن موسى الرضا عليه السلام، ثامن الأئمة الأطهار في المذهب الشيعي وهو من أحفاد الإمام علي ابن أبي طالب عليه السّلام. انتقل الإمام علي ابن موسى الرضا في القرن الثاني للهجرة وحوالي سنة 200 إلى منطقة خراسان في إيران ودفن في مدينة مشهد.
القبة الصفراء الذهبية والزاهية لهذه البقعة الشريفة تبهر العيون من مسافات طويلة والجو الروحاني الذي يشعر به الإنسان في هذا المكان يجعله ينسى هموم الدنيا وأن يعكف على نفسه.. آلامها وآمالها.. ماضيها وحاضرها. الحمام الواله الذي يتمنى الإنسان أن يحتل مكانه في طوافه على قباب هذه البقعة الشريفة زاد من جماليّات هذا المكان.
هذا المرقد الطاهر هو ملجأ المسلمين ومأواهم حين تتفاقم عليهم الحياة بأهوالها.. الجلوس لساعة واحدة في زاوية من هذا الحرم الطاهر تصقل فؤاد الإنسان وتنبّهه بالنسبة إلى نفسه. مرقد الإمام علي بن موسى الرضا هو أضخم الأمكنة للزيارة وأكثرها قداسة والذي يقصده ملايين السواح سنوياً من مختلف مناطق العالم.



2. مرقد السیّدة فاطمة المعصومة

مرقد فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم في قم من أشهر أماكن الزيارة في إيران. هذه السيدة الجليلة هي أخت الإمام الرضا عليه السلام. سافرت السيدة فاطمة المعصومة إلى خراسان بقصد زيارة أخيها الإمام علي ابن موسى الرضا لكنها مرضت في الطريق وووافتها المنية في مدينة قم.
كلّ شيء في هذه البقعة المباركة يزيد على نقاء الروح وصفوها من الحمام الذي يمكنك إطعامه بالحنطة والشعير إلى البلاط الفيروزي والزجاجي الذي زيّن جدران هذا المكان الشّريف.
تنصح زيارة مدينة قم لعشاق العلوم الدينية حيث تمتلأ هذه المدينة وعتبة السيدة معصومة بعلماء الدين وأهل العلم والفضيلة إضافة إلى متحف البقعة والذي جمع آثاراً مختلفة من الفنون الإسلامية. ممّا يكثر من أهمية زيارة مرقد هذه السيدة الجليلة هو حديث الإمام الرضا عليه السلام حيث قال (من زار أختي معصومة في قم كمن زارني).



3. مرقد أحمد بن موسي الكاظم عليه السلام (شاهجراغ)

مرقد شاهجراغ وهو مرقد أحمد بن موسى الكاظم عليه السلام من الأمكنة المهمّة للزيارة في شيراز.هذا العبد الصالح هو أخ للإمام الرضاء عليه آلاف التحية والثناء ويعد كذلك من ذرية أهل البيت. يعتبر مرقد أحمد بن موسي الكاظم هو ثالث أكبر المراقد في إيران.
من أجمل التجارب التي يمكن القيام بها في هذا المرقد المبارك هي إمعان النظر في الهندسة المعمارية الجميلة والتي تمثلت بالجدران الشاهقة والبلاط الملوّن زد على ذلك مدخل المرقد الطاهر المطل على الساحة والذي رُكّب على أعمدة خشبية سميكة وهو بمثابة الشرفة المطلة على ساحة المرقد ذات الحوض الكبير.
لساعة الغروب في هذا المرقد الشريف جمالية أخرى حيث يستطيع الإنسان أن يجلس على حافة حوض هذا المرقد الشريف وأن يستمع لصوت الأذان ويملي ناظريه من مشاهدة القبة الزرقاء العظيمة.



4.مرقد عبد العظيم الحسني (شاه عبد العظیم)

السيد عبد العظيم الحسني أو الشاه عبد العظيم الحسني هو كذلك من سلالة الأئمة الأطهار حيث يعود نسب هذا السيد الجليل إلى الإمام حسن المجتبي عليه السلام ثاني أئمة الشيعة.
من أجمل التجارب التي يمكنكم القيام بها في هذا المرقد المبارك هي مشاهدة القباب والبلاط الفيروزي القديم والذي بقى على حاله في معظم الأمكنة لكي يكون من التحف الراقية في تاريخ هندسة إيران.
بسبب أن مرقد شاه عبد العظيم يقع في المناطق القديمة والتاريخية من مدينة طهران يمكن للإنسان أن يتعرّف على ثقافة الناس الشعبية والمتمسكة بالدين حيث هم من سكنة تلك المنطقة منذ قديم الأزمنة كما أنّ هناك تجربة التسوق في السوق القديم مرقد شاه عبد العظيم والذي تعود قدمته إلى مئات السنين.



5. مرقد النبي دانيال عليه السلام

يعد النبي دانيال عليه السلام من أنبياء بني اسرائيل والذي يعود نسبه إلى النبي داوود عليه السلام. يقع المرقد المبارك لهذا النبي الجليل الذي له ذكرى واسعة في كتب اليهود والإسلام في مدينة شوش الأثرية التابعة لمحافظة خوزستان.
زادت قبة هذا المكان المقدس على جماله وجعله مكاناً ذا معمارية جذابة حيث تبلغ القبة البيضاء لهذا المكان الشريف عشرين متراً تم تصميمها على شكل مدرجات صغيرة والتي يمكن للسواح أن يشاهدوها من مسافات بعيدة.
تم بناء هذا المرقد الشريف على حافة نهر شاوور كما أنه بنيت حوالي هذا المرقد أسواقاً تعرض الأقمشة العربية والعطور والبخور والأفاوية. تجربة تناول الطعام في المنتزة الشاطئي على حافة نهر شاوور، أمام القبة التي تكون في طرف آخر من النهر من جذابيات السفر إلى هذه الوجهة.



6. مسجد جمکران

هذا المسجد من أهم وأعظم المساجد في إيران. يقع هذا المسجد على بعد ستة كيلومترات من طريق قم_ كاشان. يعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى ألف سنة تقريبا. تتمثّل أهميّة هذا المسجد في صلته بالإمام مهدي الغائب والمنتَظر عليه السّلام حيث يُقال أنّ هذا المسجد بُني بإشارة منه إلى أحد علماء قم كي يكون ملجأ لعشاقه ومحبّيه.
الاستمتاع من هدوء هذا المكان وتجربة مشاهدة القبب الزرقاء والتي تكثر من جمالها أضواء الخضراء للمصابيح تصنع للإنسان منظراً جميلاً لا يُنسى.
تقام جلسات الأدعية في هذا المكان المقدس في مختلف أيام الأسبوع والسنة إلّا أن مراسيم شهر شعبان هي شيء آخر حيث يحتفل النّاس في منتصف شهر شعبان بذكرى مولد الإمام مهدي المنتظر (عليه السّلام) وتغمر الفرحة هذا المكان البهيج.. فأين ما ترى آلافاً من الوجوه الضاحكة والباسمة.. تنثر الشوكولاتة وتوزع الحلوى والشربت في كل مكان من هذا المرقد المبارك.



7. مرقد السيد صالح بن موسى الكاظم

مرقد السيد صالح بن موسى الكاظم هو أشهر الأمكنة المقدسة في طهران العاصمة. السيد صالح بن موسى الكاظم من إخوة الإمام الرضا عليه آلاف التحية والثناء. تقع البقعة المباركة لهذا السيد الهمام على جنوب شرقي ساحة تجريش في طهران العاصمة.
يتميز هذا المرقد الطاهر بقبّته الزرقاء الكبيرة ومناريته الطويلتين. ممّا يكثر من الطابع التاريخي لمرقد السيد صالح هي شجرة الدلب التي يمكن مشاهدتها عن قرب والتي تعود قدمتها إلى 800 سنة، بما أنه تم قطع القسم الفوقاني من هذه الشجرة لكن جذع النخلة مازال موجوداً وعلى حاله السابق.
سوق تجريش من أقدم أسواق طهران وأجملها والذي يكون ملتصقاً بهذا المرقد الشريف. تباع في هذا السّوق أمتعة مختلفة أغلبها تتمثل من الأواني النحاسية وأدوات الزينة إلى الملابس والخضراوات.



8. مرقد السيد داوود

يعد السيد أو إمامزادة داوود من أحفاد الإمام حسن المجتبى. دُفن هذا السيد الهمام بين جبال طهران الشاهقة. يعد هذا السيد الجليل من الفضلاء والنبلاء والذي ذكره التاريخ بعلمه ونقاء سيرته.
كان من الصعب أن يصل الزوار إلى هذا المرقد الشريف لكنه تم تعديل الطريق مع مرور الزمن.
ممّا يميز هذه البقعة المباركة هي أنّها تقع بين جمال طهران الشاهقة حيث يختلف الطقس هناك لبعض الدرجات بسبب الارتفاع فلو كنتم ممّن يفضّل رياضة تسلّق الجبال بإمكانكم أن تختاروا هذا المرقد كوجهة مفضلة وتمروا في تسلقكم على معالم جذابة من المعالم الطبيعية المذهلة كالشلالات والأسواق الشعبية الصغيرة والمطاعم الشعبية والتقليدية التي بنيت في طريق هذا المرقد.



حاولنا أن نشير في هذا المقال إلى أهمّ أمكنة الزيارة في إيران لكن هذه الأمكنة هي ليست كلّ الأمكنة المباركة في إيران ويمكن القول بأنه لا تخلوا محافظة من محافظات إيران من هذه الأمكنة المقدسة وذلك بسبب دور ايران في التاريخ الإسلامي واحتضانه الكثير من الأحداث والهجرات التي أفرضت الهجرة على ذرية الأئمة الأطهار ومحبيهم على مرّ الزّمن.